انتشرت خلال العقد الماضي أسلوب مطاعم الكاجول السريعة (Fast casual concept)، و التي يطلب به العميل من عند الكاشير وبعدها ينتظر بطاولته حتى يجهز الطلب، مطاعم مثل فايف جايز و شيك شاك وناندوز، مع انتشار الجوالات الذكية بيد كل شخص خطر ببالي: لماذا لا يكون الطلب عن طريق الجوال بدل من هذه الطوابير؟
بدأت تجربتي في ٢٠١٤ على تحويل هذه الفكرة لمنتج ثم إلى خدمة ثم انتهت في نهاية ٢٠١٨، رحلة طويلة عرفتني على عالم إدارة المنتجات الرقمية من أوسع أبوابه، وفي هذه المدونة سأشارك أهم الدروس اللي تعلمتها خلال الرحلة:
بسط ثم بسط ثم بسط
بعد بعض النقاشات والتجارب السريعة وسُعت فكرة المنتج لتكون عبارة عن “نظام طلبات خاص للمطاعم” (White label ordering system) بحيث تستطيع المطاعم التواصل المباشر مع عملائها دون أي طرف ثالث، لذا أضفت بعض المهام الضرورية كالتالي:
- أن يستطيع العميل مراجعة قائمة الطعام وإرسال طلباته ومتابعتها.
- أن يستطيع الكاشير استقبال الطلبات وإدارتها.
- أن يستطيع صاحب المطعم التعديل على قائمة الطعام وإعدادات مطعمه.
أول ما تعلمته أن هذه ليست فكرة “منتج” واحد بل خمس منتجات مختلفة على الأقل:
- نظام استقبال الطلبات (عبر المتصفح).
- نظام إدارة الطلبات (تطبيق).
- لوحة الإعدادات والخيارات (عبر المتصفح).
- نظام متابعة توصيل الطلبات (تطبيق).
- واجهة برمجية للتطبيقات (API) لتمكين الارتباط بالأنظمة الآخرى مثل أنظمة نقاط البيع (POS systems) والمحاسبة وغيرها.
وعند الأخذ بالاعتبار أن أعمال المطاعم تمر في تغييرات كبرى، نجد أن مجال “نظام الطلبات الخاص” يغطي مشكلة أكبر لأن هناك حاجة من المطاعم لفهم عملائها وبالتالي بحاجة لتحليل البيانات الواردة وعرضها بشكل واضح و بحاجة لأدوات إدارة العروض السريعة (Flash Sales) للشبكات الاجتماعية و نظام ولاء العملاء ومكافأتهم، باختصار، تغير عملاء المطاعم، لذا تحتاج المطاعم للأدوات الملائمة لمواكبة التغيرات.
أرسم الوجهة ثم حدد الأولوية
كل هذه المنتجات الذي ذكرتها تمثل باقة منتجات مدهشة وبلا شك يحتاجها كل مطعم إذا ما أراد استعمال التقنية لصالحه، هذه الباقة من المنتجات هي ماتمثل الوجهة أو الرؤية لمدير المنتج التي يطمح أن يصل إليها مع فريقه، ولكن هذه المنتجات لا تحمل نفس الأولوية، فمع الوقت بدأت أفهم أهم حاجة للمطاعم من ناحية تسويقية هي الحاجة الماسة لوجود نوافذ بيع إلكترونية (Ecommerce sales channel) ، تمامًا كما أن لديها محل تجاري ورقم تلفون وتواجد على الشبكات الاجتماعية فالمطاعم تحتاج لنافذة بيع إلكترونية للمواكبة؛ نسبة ليست هينة من عملائها انتقلوا لعالم الجوال والاتصال الدائم.
التفكير من هذه الزاوية سيوضح لك كمدير منتج ماذا يجب أن تكون أولويتك، من ناحيتنا كانت كالتالي:
- أولا: نظام جيد وفعال لاستقبال الطلبات، هذا النظام لابد وأن يكون متوافق مع الجوال و سهل الاستخدام ويقدم انطباع إيجابي للزبون عن المطعم.
- ثانيا: نظام بسيط وسهل لإدارة الطلبات من الممكن التعامل معه خلال ساعات الذروة دون إرباك لسير عمل المطبخ.
من هم عملائك؟ من هم مستخدمو منتجك؟
في كل منتج هناك الشخص الذي يتخذ قرار الشراء وهو العميل، ولكن هناك عشرات المستخدمين للمنتج، يجب عليك كمدير المنتج أخذ آراء و مرئيات كل شخص يقترب من منتجك، بالنسبة لنا فقد كانت مجموعة واسعة من المستخدمين:
- فئات الزبائن: قسموا حسب أعمارهم كمؤشر عام على تبني التقنية، ومكان الطلب: بيت، عمل، استراحة/ديوانية لتحديد أسلوب وطريقة الطلب والدفع
- موظفو المطعم: الكاشير، الطباخون، معدو الطلبات، و لكل واحد منهم حاجة مختلفة.
- صاحب أو مدير المطعم بلا شك.
من المهم أن تعرف كل من يستخدم منتجك أو يتأثر به ولكن لا تنسى النقطة السابقة: حدد الأولوية، فعليك كمدير للمنتج تحديد أولوية كل فئة ثم تركز على حل مشاكلهم من خلال منتجك، أحد أكثر الفئات التي تبين لنا حاجتها للمنتج هم العملاء الراغبون بتوصيل طلباتهم – لعدم وجود وسيلة نقل أو لعدم قدرتهم أو رغبتهم للذهاب للمطعم حينها – وكذلك الكاشير، لصعوبة أخذ الطلبات عبر الهاتف وقت الزحمة، وهذا بدوره رفع من أولوية وجود نظام إدارة عمليات التوصيل أولا وتوفير خدمة الارتباط مع شركات التوصيل السريع ثانيا.
استمع وناقش ثم قرر
كثيرا ما طُلب منا توفير تطبيق خاص للمطعم، ومن ناحية تسويقية بحته فطالما طلب العميل هذا الشيء فعلينا تنفيذه والقيام به، ولكن كمدير منتج عليك أن تعرف الدوافع خلف طلبات العملاء والمستخدمين حتى تتخذ القرار الأنسب؛ كانت طلبات أصحاب المطاعم نابعة من انتشار فكرة تملك التطبيقات حينها، ولكن التطبيقات لا تلائم المطاعم الصغيرة – أقل من ٣ فروع – لأن التطبيق ينطوي عليه جهود تسويقية لاقناع العملاء بتحميله (user acquisition) وجهود متواصلة لتشجيع العملاء على استخدامه (user retention) ومن دونها سيفشل التطبيق بتحقيق أي نتائج تذكر؛ وبالتالي فشل المنتج ككل.
لذا تذكر، استمع وتناقش مع كل مستخدمي منتجك المباشرين وغير المباشرين، ولكن عليك أنت كمدير منتج مسؤولية إدارة الدفة وتحديد اتجاه منتجك القادم، سواء من نواحي تطويرية أو تسويقية، كاستهداف شريحة معينة أو التركيز على ميزة محددة أو تحديد موعد الإطلاق.. الخ.
ذوّن ثم دوّن ثم دوّن
كتابة استراتجية المنتج و أهدافه وأغراضه بالإضافة إلى كتابة المواصفات الفنية للمنتج مهمة لسببين رئيسين:
- حفظ الأفكار بعد مناقشتها والاتفاق عليها لحين وقت تنفيذها – وهذا قد يكون بعد شهور – لا توجد أي طريقة آخرى لحفظ نتيجة هذه النقاشات وما بذل فيها من جهود.
- ثانيا وربما الأهم: تدوين أهداف وأغراض المنتج مع المواصفات الفنية للتطوير يساعد المصممين والمطورين عند اتخاذ قرارات أثناء العمل، فدائما هناك تفاصيل صغيرة أو قرارات يحتاج المصمم أو المطور أن يتخذها ولا يوجد وقت كافي في هذا العالم لأن يتوقف عند كل واحدة منها ليرجع إلى مدير للمنتج.
مسؤوليتك كمدير منتج فعال أن توصل استراتيجيتك و رؤيتك للمنتج بكل وضوح للفريق، والتدوين هو أحد أدواتك الرئيسية لذلك.
توقف و أخرج من عالمك من فترة لأخرى
كل هذه العمل والتفكير بأولويات المهام أسبوع بعد أسبوع والتفكير بتطوير وجهة المنتج على المدى البعيد يصنع لك عالم الخاص، تشعر أنك من تتحكم بحاضره ومستقبله، ولكن الواقع ليس كذلك، أنت جزء من فريق لديه مصادر محدودة تعيشون بعالم كبير تتغير ظروفه والعوامل المؤثرة عليه، لا أتكلم هنا التغيرات الكبرى – مثل كورونا – بل على التغيرات الصغيرة التي بالكاد تلاحظها إن لم تعطي لها انتباها، قرارتك تعني نجاح أو فشل المنتج أو المشروع بأكمله.
هل تتذكر عندما قلت أننا عرفنا أن أكبر مشكلة تواجه المطاعم كانت حاجتهم الماسة لوجود نوافذ إلكترونية؟ ما حصل في الواقع – كما تعرف – أن المطاعم رأت أن أستخدام تطبيقات توصيل الطعام هي الحل الأمثل لها.
نظريًا، نظام استقبال الطلبات لا ينافس تطبيقات توصيل الطعام، لكل منها استخدام وفائدة مختلفة، باستخدام المطاعم لهذه التطبيقات فهي تعهد لها بجزء كبير من عمليات التسويق وتقريبا كل عمليات التوصيل وبالتالي فهي مستعدة لتحمل تكاليفها العالية، من هذه الزاوية، تستطيع كمدير منتج أن تفهم التحديات التي تواجه منتجك في العالم الواقعي
كما ذكرت في البداية، فهذه الرحلة وإن كانت طويلة إلا أنها مكتملة، فهذه الأفكار تحولت لمنتجات وعاشت حياتها ثم انتهت، و أنا ممتن لهذه الرحلة وبكل ما تعلمته من الأخطاء و من الأساليب التي أثبتت لي نجاحها، الدروس التي تعلمتها ستبقى راسخة.
وبالنهاية، أود أن أشكر شركاء الرحلة عبدالله المشري و سعود الفضلي على جهودهما العظيمة، من دون مهارتهما العالية لبقيت الأفكار على الورق ولما كانت هناك أي رحلة.
أتمنى لك رحلة ممتعة