أما قبل
بدأت نواة هذه المدونة من فترة طويلة بسبب اهتمامي المشترك لريادة الأعمال والموسيقى، كل هذا الوقت ظل هناك سؤال يتردد في خاطري: كيف يكون هناك كل هل هذا التشابه ولا يتحدث عنه أحد أو يحاول التعلم منه؟ هذا في الواقع ما حفزني على إنهاء المدونة ونشرها.
مقدمة
بخلاف المنتج النهائي، والأغلفة وبعض الأفكار النمطية مابين رواد الأعمال والموسيقيين، هناك الكثير من التشابه، ليس أقل من اللبنة الأساسية لكلا العالمين والتي تعتمد على تكوين فرق شابة يدفعها الطموح وتنعشها رغبة النجاح. يجمع الصناعتان الانخفاض الكبير بتكاليف الدخول والتأسيس، فكما أن فريق عمل ما يستطيع الاستغناء عن تكاليف مجهدة لتأجير مكتب بعقد سنوي تستطيع فرقة ناشئة تسجيل وإنتاج ونشر أعمالها من بيت أحدهم!
الفارق الأهم بين العالمين هو أن صناعة الموسيقى أكبر عمراً وأكثر تأسيساً واستطاعت خلال تلك السنوات انتهاج أكثر الطرق كفاءة لدعم موسيقيها القادمين! سأركز في هذه المدونة على المحاور الأساسية التالية: تكوين الفرق، التضامن، الترويج، الإرشاد، ودُور التسجيلات
ماتتميز به صناعة الموسيقي، وما قد لا يبدو مألوفا بعد لريادي الأعمال هو الترويج، هناك صناعات قائمة بحد ذاتها مهمتها الأساسية هي البحث عن الفرق الموسيقية الصاعدة
تكوين الفريق و الفرقة
الفرقة الموسيقية تتكون من شخصين أو أكثر تجمعهم اهتمام موسيقي مشترك ولكن مهارات مختلفة، مع الوقت أصبح المغنون يأخذون دور نجم الفرقة ولكن الواقع أن الكثير من تلك الفرق لم تكن لتنجح دون عازفيها، حتى في حالة المغنين المنفردين، فهم بحاجة لتكوين فرقهم الخاصة عن طريق التوظيف المعتاد، عوامل مختلفة تؤثر في تمكن أي فرقة من الوصول للتنوع اللازم في المهارات والتوافق الشخصي بين أعضائها، لعل أهمها هو مكان وجود الفرقة، الموسيقيون، كأي أصحاب صنعة، ينجذبون لبعضهم ومع الوقت كونوا مراكز وجودهم وبطبيعة الحال، فرصة تكوين فرقة خارج تلك المراكز أقل بكثير من من يتواجد بها. كاري بروانستن، عازفة جيتار في فرقة نسوية للبَنك تدعى سلاتير كاني، وصفت في مذكراتها بإسهاب حول تكون فرقتها، أهم نقطة ركزت عليها هي حرصها على الانتقال لأولمبيا، ذات المكان الذي يحاول البقية الخروج منه!
أحد أكثر الأسئلة المتكررة لأي فرقة صاعدة هو سؤال: كيف تكونت فرقتكم، من بدأها؟ وهذا مؤشر لأهمية هذه المرحلة في ما قبل حياة الفرقة.
بالمقابل فهذه المرحلة شبه غائبة في ريادة الأعمال، وكثيراً ماتتكون الفرق الخطأ لغياب البديل، وهذا بدوره قد يشكل عامل خفي لارتفاع نسبة فشل الشركات الناشئة: تكون الفرق الخطأ من الأساس. مبادرات مثل ستارت آب ويك إند سعت لسد هذه الفجوة، ولكن نهاية أسبوع قد تكون كافية لتكوين علاقات جديدة ولكن ليس فريق ملتزم، تكوين الفرق المناسبة يحتاج لوقت وتجارب مهنية متعددة قبل الالتزام الكامل لتأسيس شركة ناشئة.
أفضل من هو مهيأ لدعم تكوين الفرق الريادية هي الجامعة، لسبب أبسط مما قد يعجب أصدقائنا الأكادميين: الجامعة هي أكبر تجمع لرواد أعمال محتملين! بإمكان الجامعة دعم تكوين الفرق الريادية وذلك من خلال خلط/دمج طلبة الكليات المختلفة مع بعضهم البعض، العلمية مع الإدارية، التربوية مع العلمية، الإدارية مع الفنية… ومن ثم توفير مساحات عمل لهم.
إن فكرنا بها، فلماذا يطلب من طالب التسويق إحضار “أي فكرة مشروع” ومن ثم كتابة خطة تسويقية له! طالب التسويق لا يُدرب على ابتكار المشاريع أو معرفة الحاجات المطلوبة أو الفرصة المتاحة بل على تقيم جدواها وإيجاد أفضل طريق للسوق…
ليس المطلوب من كل فريق مشترك في الجامعة أن يتحول إلى فريق ناشيء، ولكن مع تجربة العمل المشترك على مشروع مقيم، سيستطيع الطلاب اختبار جدية واهتمام وتوافق الطرف الآخر.
…لا يوجد كتاب أو محاضرة أو جلسات نصف سنوية تغني عن تجربة الإرشاد العملية.
دَور الحاضنات والمسرعات ودُور الدعم والإرشاد والترويج والتمويل يأتي بمرحلة ما بعد تكوين الفرق الناشئة، تكوين الفريق هو أساس ريادة الأعمال، وهو أصعب تحدي يواجه أي رائد أعمال طموح، لأن القليل يعرف من أين له أن يبدأ، والحقيقة أن البداية تكون في تجميع الفريق الأنسب وجامعتنا هي من تملك المفتاح الذهبي.
التضامن
التضامن مكون أساسي بصناعة الموسيقى، والعاملون بها يتقبلون هذه الحقيقة كما هي ويعملون بها، التضامن قد يكون ظاهر كأن يتشارك موسيقيان في إنتاج أغنية ما، أما لأسباب فنية أو ربما لأسباب تسويقية؛ فكلا الطرفين سيُقدم لجمهور الطرف الآخر، ولكن النسبة الأكبر للتضامنات هي غير ظاهرة للعلن وفي مجالات متعددة مثل الكتابة والأداء والإنتاج.
لماذا يكتب المغنون لبعضهم؟ لأنه وبكل بساطة ليس كل مايكتبونه يناسب توجه فرقهم أو جمهورهم ولا فائدة حقيقة للفرقة ذاتها أو لأعضائها بأن تربط نفسها باتفاقيات عدم منافسة أوعدم إفصاح تقيدها وتضيع على أفرادها الكثير من الفرص.
الفرق الناشئة تبدأ العمل بمهارات مركزة في مناطق محددة، وعلى سبيل المثال، من غير الوارد لشركة تقنية ناشئة وجود محامي ضمن فريق التأسيس (المؤسسون)، ولكن لا يزال هذا الفريق بحاجة ماسة لخدمات قانونية لا يستطيع في الغالب تحمل تكاليفها ماديا! من خلال التضامن، ربما تستطيع هذه الشركة مساعدة مكتب قانوني ما في البحث عن نظام إلكتروني يسهل عليه إدارة أعماله ومساعدتهم في تثبيته مقابل توفير الاستشارات المطلوبة وبجودة عالية، الطرفان مستفيدان هنا – لا شك أن بعض الفرق سيكون لها علاقة بمستشار قانوني يساعدها بلا مقابل ولكن ليس الجميع محظوظ ليكون له علاقة قوية مع كل من قد يحتاج خدماتهم-
أدرك أن مفهوم التضامن في الأعمال التجارية غريب و لأسباب متفهمة؛ فهل فعلا الجهد المبذول من المحامي (أو النتيجة المكتسبة للفريق التقني) يكافئ الجهد المبذول من الفريق التقني؟ تقيم الجهد ماديا هي الطريقة الأدق والأعدل، ولكن في ريادة الأعمال ولدى شركات ناشئة ينقصها النقد، يمثل التضامن حل مجرب.
الترويج
ماتتميز به صناعة الموسيقى، وما قد لا يبدو مألوفا بعد لريادي الأعمال هو الترويج، هناك صناعات قائمة بحد ذاتها مهمتها الأساسية هي البحث عن الفرق الموسيقية الصاعدة، هناك برامج راديو متخصصة، هناك احتفالات سنوية بمختلف الأحجام تُخصص لعرض الفرق الصاعدة وأخرى لخلط الصاعد مع المؤسس، والحلقة الآخيرة، هناك استديوهات (تسجيلات) تعمل جاهدة للحصول على توقيع أبرز تلك الفرق الصاعدة مقابل التمويل والدعم. تكرار ذلك أسبوع بعد أسبوع يفسر لك لماذا دائما هناك شيء جديد تستطيع الإستماع له!
من الواضح أن الوضع لريادة الأعمال آخذ بالتوجه لذات المسار، نرى الآن مدونات متخصصة بتعقب أخبار الشركات الناشئة، هناك تطور ملحوظ وهو قيام صحف الأعمال بإطلاق بودكاستات متخصصة في ريادة الأعمال، هناك مواقع إطلاق، منتديات ومسابقات سنوية، ولكن لا تزال هناك فجوات كبيرة في هذه السلسلة.
الإرشاد – الدعم
الإرشاد في صناعة الموسيقى يأخذ مستوى مختلف جذريا، ماذا تفعل فرقة موسيقية إذا رغبت بدعم فرقة صاعدة؟ توجه لها دعوة لمرافقتها لكل أو لجزء من جولتها، وهذا يعني أن هذه الفرقة الناشئة لن تقف عن قرب وتتعلم عن كل المتطلبات والضروريات لتشغيل وإدارة جولتها يوما ما، بل عليها الصعود على المسرح وتأدية عرضها لجمهور أكبر من ما سبق لها العرض أمامه، لا شك أنه سيكون هناك وقت لتقديم النصائح أو تقيم الأداء ولكن الأهم هو الخبرة والثقة التي ستكتسبها الفرقة الصاعدة.
هذه الطريقة بالإرشاد (الملازمة) نراها تتكرر في الصناعات المترسخة؛ في المستشفيات التعليمية، القوات العسكرية، مكاتب المحاماة… لا يوجد كتاب أو محاضرة أو جلسات نصف سنوية تغني عن تجربة الإرشاد العملية.
هل لديك شركة (أو شركات) ناجحة وترغب الأن بدعم شركة ناشئة ربما في قطاعك أو قطاع مقارب؟ أعرض على فريقهم الانتقال للعمل من مكتبك لفترة ما، وضح لهم لماذا تقوم بما تقوم به وبالشكل الذي تقوم به، أصحبهم معك، عرف بهم، أرسلهم لمن قد يهتم أو يحتاج منتجاتهم أو خدماتهم، وإن لاحظت شيء أو إن خطرت لك فكرة أثناء تواجدهم معك فشاركهم به.
قد يبدو هذا كجهد كبير ولكن الفائدة ليست باتجاه واحد، العمل مع فرق شابة سيساعدك على فهم توجهات وتطلعات الشباب، سيعطيك منظور مختلف عما تعودت عليه، وستكون من أقل الأشخاص تكراراً لعبارات مثل: “شباب هاليومين مايندرى عنهم”
البداية تكون في تجميع الفريق الأنسب وجامعتنا هي من تملك المفتاح الذهبي.
دُور التسجيلات = مسرعات الأعمال
نقطة التحول في حياة الفرقة الموسيقية هي عند توقيعها مع دار تسجيل، هذا التوقيع يمنح أعضاؤها بعض الوضوح في مستقبلهم والتركيز على عملهم – ترك أي أعمال جانبية – ويكفيهم عناء أعمال إدارية وتسويقية وقانونية لا تنتهي، الفنان والكاتب والرياضي والطبيب …. كلهم لديهم نفس الرغبة: التركيز على مايجيدون العمل به دون مشتتات جانبيه، التسجيلات، دور النشر، مديرو الأعمال، العيادات الخاصة جميعها تقدم ذات القيمة: القدرة على التركيز على لب أعمالهم، وهذا ما تحتاجه ريادة الأعمال.
تقدم مسرعات الأعمال الكثير من المساعدات للرياديين ولكن لايزال أمامها الكثير لتصل إلى ماوصلت إليه التسجيلات، فدور هذه المسرعات لابد أن يتمحور حول البحث والعثور على أفضل الفرق الريادية صاحبة أفضل الفرص في قطاع محدد، ومعاونتها على استكمال جميع الإجراءات القانونية و تقديم الاستشارات الإدارية وتولى إطلاق المنتجات والربط مع المستثمرين، أي أن على مسرعات الأعمال أن تشكل الحلقة الواصلة بين الفرق الريادة وكل ما تحتاجه للوصول إلى السوق، وفي نفس الوقت، لا يجب أن تكون هذه المسرعات مجرد دعم حكومي لصالح الشباب بل على النقيض، يجب أن تعمل بشكل تجاري يحفزها على الوصول إلى نتيجة واضحة و محددة.
عندما ننظر إلى المسرعات من هذه الزاوية، نجد أن واي كمبيونيتور – أنجح مسرعة أعمال حتى الآن – هي عبارة عن علامة تجارية، تستطيع التنبؤ بنوعية وجودة الشركات التي تخرج منها: شركات تقنية مهوسة بالنمو الساحق، مدعومة بكمية ضخمة من النقد – انطباع وليس قاعدة –
التنويع في أنواع المسرعات مطلوب، فليس كل منتج مناسب لأن يعمل في ١٥٥ دولة أو يتطلب المليارات ولكن عليها أن تملك الإمكانيات التي تفتقدها الشركات الناشئة المستهدفة.
خاتمة
من الممكن أن نستمر بمناقشة كل محور من هذه المحاور بشكل أكثر تشعباً ولكن وكما هو واضح، فريادة الأعمال تتجه لذات المسار الذي سبقتها إليه صناعة الموسيقى، وإن كان كل محور يسير بسرعة مختلفة. ولكن من المهم الإشارة إلى أن استخدام نفس الطريق لا يعني قصد نفس الوجهة، الموسيقى، كانت ولا تزال أعمال فنية ترفيهة وريادة الأعمال ليست كذلك، لذا لا يجب أن نستبعد مفرق طريق ولو بعد حين.
النظر لريادة الأعمال من هذا المنظور شجعني لإعادة النظر من زوايا آخرى لنفس الهدف: ماذا من الممكن أن نتعلم من غيرنا؟ وهذا ماسأكتب عنه خلال الأسابيع القادمة.
رأي واحد على “ريادة الأعمال من منظور موسيقي”